
خاص / وكالة صنعاء الاخبارية||
كتبت المحامية اليمنية ” آية الرجامي” قصتها مع والدتها منذ الطفولة قائلة: هذه صورة أمي، هل تعلمون من هي #أمي؟
أمي التي تم خداعها بالزواج إلى بلاد أخرى، وعند وصولها تفاجأت بأن أبي يعاني الجنون المطبق، وقد تزوج قبلها بـ3 نساء، لم تستقر إحداهن معه أكثر من أسبوع واحد، ولكن أمي صبرت واحتسبت، ظنًّا منها أنها بالمعاملة الجيدة والاهتمام به قد تخرجه من حالته، ولكنها للأسف تعرضت للضرب والإهانة من أمه وأخته وبناته.
فذهبت أمي إلى أهلها، وكنت أنا حينها جنينًا في بطنها، وكانت إجابة أهلها صريحة قاطعة: [مرحبًا بابنتنا الغالية العزيزة، ولكن لا أهلًا ولا مرحبًا ببنت الرجامي التي في بطنك، بمجرد أن تلديها سنأخذها لأهلها].
حاولت أمي الاحتفاظ بي لأنها تعلم أنه إن تركتني فلن يهتم بي أحد، كون عائلتي لا يحسنون حتى الاهتمام بأنفسهم؛ ولكن أخاها رفض ذلك، وكان قراره حاسمًا: إما أن تتركي بنت الرجامي أو تذهبي معها؛ فاتخذت أمي قرار العودة إلى جحيم آل الرجامي من أجل ابنتها آية فقط.
تم طردها أيضًا من منزل زوجها، لتبدأ حياة جديدة من الصفر، ومن مخزن صغير يأويها هي وطفلتها، تعمل بالتجارة شيئًا فشيئًا، وتنام أحيانًا بلا غداء أو عشاء، إلى أن كسبت ثقة وحب زبوناتها من نساء القرية، “القرية التي كان جدي فيها من أغنى أغنيائها”.
تمكنت أمي من تكوين مصدر رزق عظيم يعولني ويعول أبي المريض أيضًا، الذي لم يكن يهتم به أحدٌ من أهله. ودعت الله في جوف الظلام أن يهبها الولد الذكر لكي يحمل اسم أبي وجدي، كونها أسرة كادت تندثر، فاستجاب الله ورزقها بأخي سلطان.
قامت بترميم الملحق التابع لبيت جدي، الذي كان إسطبلًا للحطب والخردة، وعاشت فيه مع طفليها وزوجها المريض. ولا أتذكر أنها في يومٍ حرمتنا من شيءٍ نشتهيه، كانت حريصة على الاهتمام بتعليمنا وتثقيفنا وترفيهنا بالألعاب التعليمية والكتب والمجلات والبرامج العلمية، وكانت لنا الأم والأب والعم والخال.
وكنا نعيش عيشة لم أرَ أحدًا من أطفال قريتنا يعيشها، بعرق جبينها فقط. أما جدي فقد تكالبت عليه الأعداء والأمراض إلى أن توفاه الله، وكذلك توفيت جدتي، ولكن لم يتغير من حالنا شيء، فأموال أبي كانت مهدرة بسبب ضعف جدي في مراحله الأخيرة، فقد كان يتم أكل أمواله أمام عينيه. ثم بعد وفاته استمر الظالمون من أبناء عم أبي وأبناء أخته وكبار الطواغيت ممن يشجعهم ويشتري منهم، بأكل أموالنا أمام أعيننا.
كنت في السادسة من عمري حينها، وأبي على حاله يعاني الجنون المطبق، وعندما يشتد به الحال يتجه إلى التكسير والتخريب، ولكنني كنت أحبه رغم حالته، وكم كنت أبكي عندما يتعرض له أطفال القرية بالضرب أو الإساءة، وأتمنى لو بمقدوري حمايته منهم دون حيلة أو قوة.
اتجهت أمي إلى أروقة المحاكم لحماية ما تبقى من أموال أبي، ولم تتمكن من الوصول إلى ألف ريال واحد منها، إلا أنها والحمد لله نجحت في حمايتها وردع الطامعين عمّا تبقى منها. ثم عرضوا عليها أن تبيعها بثمن بخس لكي تتخلص من مشاكلها التي أرهقتها، فقد كانت تكد وتشقى طوال يومها وتنفق أغلب ما تحصله من مصدر رزقها على المحاكم. إلا أنها، ورغم ذلك، رفضت تلك العروض قائلة: [#لن_أبيع_أموال_أبنائي_وإن_تكالبتم_عليها_جميعًا_فسأحاربكم_جهدي_ومن_بعدي_أبنائي].
نعم، لقد نجحت أمي في الحفاظ على ما تبقى بجهد مفرد وفريد، فلم يقف إلى جانبها لا أخ ولا أخت، ولم تسلم حتى من محاربة المجتمع، هذا إلى جانب تربيتنا وتعليمنا بطريقة يعجز عنها حتى الرجال، وإلى جانب تحصيل الرزق وإدارة المنزل والاعتناء بأبي والدفاع عنه وعن حقوقه في مجتمع لا يرحم الضعيف ولا المريض، والكثير الكثير مما لا يسعني ذكره هنا.
لذلك أنا لست فتاة متعلقة بأمها أو تحب أمها لمجرد أنها أمي، ومثل باقي الأمهات حملت وولدت وربت وسهرت ووجب عليَّ طاعتها وحبها.
أنا أقدس أمي تقديسًا لكونها امرأة عظيمة، ومسيرة كفاحها وجهادها مشرفة تزيدني رفعة ومكانة وإصرارًا.
من يعرفنا اليوم ويرى ما وصلنا إليه من إنجازات بفضل رب العالمين الذي سخّر هذه المرأة لهذه المهمة، لن يصدق ما كتبته، لأنها حقيقة تحتاج إلى معجزة، ومعجزتنا كانت أمي. ❤