اليمن
أخر الأخبار

شعراء ذمار … قبيلة عنس أفضل من يكتب «الزامل اليمني» ..

وكالة صنعاء الإخبارية|| خاص

قصة شعبية شعرية بقلم /الكاتب الصحفي رشيد البروي

يُقال إن قرية « #حوَرْوَر» الواقعة في مديرية #ميفعة_عنس والمعروفة ببلاد المقادشة، قد اشتهرت بكثرة مشايخها وعقالها الذين يفوق عددهم عدد الرعية والناس البسطاء فيها، ما أجعل أحد شعراء هذه القرية والذي يدعى بالشاعر “عبدالله سعد قمهد اللذع” يكتب فيهم زاملاً فكاهيًا ساخرًا يُجسد هذه المفارقة، قائلا فيه:

سلام يا قــريه مشايخهــا ميــه
واثنعش غرامه وعُقــال أربعين

من غير 70 في «النوب» متخبيه
و 22 في الطريــق متقطعــيــن

يرى البعض أن الشاعر “قمهد” استوحى فكرة هذا الزامل من زامل آخر اقتبس فيه البيت الأول فقط، وقد كُتب بنفس الطريقة مع اختلاف بسيط وينتسب لأحد شعراء #بلاد_الروس، وتحديدًا من إحدى قرى عزلة «ربع العبس» يدعى الشاعر “حسين العزب” والذي قاله أثناء موقف قبلي بين قرية وادي البير وقرية أخرى مجاورة، حيث قال :

سلام يا قرية مشايخها ميه
واثنعش غرامه وعقال أربعين

بدي تكونوا للبناء والتنميه
ولا مجال التربيه والمبدعين

وفي رواية أخرى لنفس الموقف، يُقال إن بيت الزامل تغير ليكون بصيغة أكثر تهكمًا:

قرية وباعـوها بسعــر البـاميـة
لا نالوا الجودة ولا هم فالحين

وهنا رد عليه شاعر «وادي البير» الشيخ إبراهيم ربيح، قائلاً:

احنا مشايـــخ للمواقـف حاميـه
ما من مواقفكم قد احنا قانعين

أهم شي محنـاش فئة إجراميه
واحنا نحب الخير للناس أجمعين

إلى جانب هذه الروايات، يروى أيضًا أن أصل الزامل ربما يعود إلى قرية “يعر” التابعة لمديرية #عنس، حيث يُحكى أن أحد عساكر الدولة قدم إلى هذه قرية يعر ، واستقبله أهلها في إحدى مجالسهم العامة، وأثناء محاولته الجلوس على مدكى، تعاقب الحاضرون على توجيهه بالقول: ” تعال اجلس في بقعة الشيخ فلان، وصرخ آخر : لاااا.. تعال هُنا في بقعة الشيخ علان…”، وهكذا تم التلاعب به حتى اجلسوه في بقعة أحد مشايخهم بالقرب من باب ذلك المجلس، فأثارت تلك في نفسه واشتعلت في داخله روح الكراهية لهم جميعا، فكتب زاملًا يصوّر فيه أهل القرية جميعًا كمشايخ بلا رعية.

وهناك من ينسب هذا الزامل إلى قرية ” #الميفعة”وهي إحدى القرى التابعة لعزلة ” #خربة_أفيق”، التي تُعد من أكبر بطون قبيلة عنس، ويقطنها فخذ من بدنة “بني ناصر الحاج”، حيث عرف جميع سكانها بلقب “مشايخ”، حيث يطلقون هذا اللقب على أنفسهم منذ زمن، وبسبب قرب قريتهم من الطريق الأسفلتي المار فوق “عقبة زبل”، فقد اعتاد بعضهم في أزمنة سابقة على التقطع في الطريق خلال فترات النزاعات والخلافات، الأمر الذي دفع الشاعر أمين أسعد جوبح، وهو أحد أبناء القرية، إلى هجاء أصحابه وذوي بلدته بهذا الزامل الساخر.

سلام يا قــريه مشايخهــا ميــه
واثنعش غرامه وعُقــال أربعين

من غير 70 في «النوب» متخبيه
و 22 في الطريــق متقطعــيــن

ورغم اختلاف الروايات حول أصل الزامل، فإن ارتباط اللهجة والأسلوب في شكل وبنية الزامل ترتبط بخصائص لجهة قبيلة عنس، أكثر بكثير من بلاد الروس، فضلا أن المنطقة الجغرافية الممتدة بين بلاد الروس وعنس متداخلة في ثقافتها الشفهية والشعرية، ولسنا في محل نزاع عن أصول الزامل بقدر ما نحن في سرد قصة شعرية شعبية تثير الإعجاب والدهشة والفكاهة المجتمعية على اليمن ككل.

ولا يمكن الحديث عن الزامل في قبيلة عنس دون الإشارة إلى إرثها العميق في مجال #الشعر_الشعبي، إذ تمتيزت هذه القبيلة بقدرتها الفائقة على نظم الزوامل القصيرة ذات التأثير القوي في عصرنا الحالي،كموهبة يصعب مجاراتها، وفي التاريخ أيضًا، نجد لهذه القبيلة إرث شعري يمتد من العصر الإسلامي، حيث خُلد اسم الصحابي الجليل “معد يكرب الزبيدي” المنتمي لقبيلة زُبيد – التي تشمل اليوم ميفعة عنس وما جاورها – بقصيدته الشهيرة: وبدت لميس كأنها بدر السماء
إذا تبدى.. وبدت محاسنها التي تُخفى وكان الأمرُ جِدّا»

وفي عصرنا الحديث، فقد برزت قرية حورور كإحدى القرى الشعرية البارزة، ليس فقط على مستوى الرجال، بل حتى النساء، حيث اشتهرت الشاعرة «غزال بنت أحمد بن علوان» المعروفة بـ” #غزال_المقدشية” أو “غزال العنسية”، وهي من أوائل النساء اليمنيات اللائي كتبن الشعر العامي بحكمة وشجاعة، وقد عاشت في القرن التاسع عشر وتوفيت بعد عام 1266هـ (1850م)، وتنسب إلى قبيلة المقادشة، التي تسكن قرية حورور وما جاورها، فارتبط اسمها بذاكرة الشعر اليمني الشعبي كرمز نسائي نادر ومؤثر.

وبهذا، تظل الزوامل الشعبية مرآة دقيقة للمجتمع اليمني تعكس همومه ومعاناته ومشاكله وتطلعاته فتحمل بين أبياتها التهكم والرصانة، و الجد والهزل، وتؤرخ لأحداث وصراعات ومواقف بلهجة المجتمع نفسه، وبموسيقاه القبلية المتوارثة.

إعداد الصحفي ✍🏻 رشيد البروي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى