العالماليمن
أخر الأخبار

الديمقراطية جزء من التاريخ الأمريكي

 

وكالة صنعاء الإخبارية||

نشأت الولايات المتحدة الامريكية كمستعمرة صغيرة انشأها الإنجليز بعد ان سبقهم الأسبان في استعمار المناطق الغنية من العالم الجديد. لقد اختاروا أمريكا الشمالية، ليس لأنَّها كانت جذابة، وإنما لأنَّها كانت هي المتاحة أمامهم، كانت المناطق المرغوب فيها في الأمريكتين – حيث يوجد السُّكْان الأصليين بوفرة لاستغلالهم، وحيث كانت توجد مناجم الذهب والفضة – قد تمَّ احتلالها مِنْ قبل، وحيث لم يجد الإنجليز سوى الفتات.

لقد باءت المحاولة الإنجليزية الأولى – لزراعة مستعمرة بمنطقة روانوك بولاية كارولينا الشمالية بين الأعوام 1585 و1587 – بالفشل التام، وفي عام 1607 عاودوا المحاولة مَرَّة أُخْرَى، وقبل نهاية عام 1606 بقليل: انطلقت ثلاث سفن قاصدة فيرجينيا. أبحر المستعمرون – تحت رعاية شركة فيرجينيا – في “خليج تشيزابيك” ولأعلى نحو نهر أطلقوا عليه الأول”جيمس”. بعد فترة حكم الملك الإنجليزي “جيمس الأول”. وفي الرابع عشر مِنْ مايو 1607 أنشأوا مستعمرة جيمس تاون.

وعلى الرغم مِنْ أن المستعمرين الذين كانوا على متن السفن المملوكة لشركة فيرجينيا كانوا إنجليز، إلا أنهم كانوا يتبعون نموذجاً مِنَ الاستعمار تأثر بشكل كبير بالقالب الذي وضعه كُلّ مِنْ “كورتيز، بيسارو وتوليدو الاسبانيين”، كانت خطتهم الأولى تتمثل في القبض على الحاكم (القائد) المحلي واستخدامه كوسيلة للحصول على المؤونة وإجبار السُّكْان على إنتاج الغذاء وجمع الثروات لصالحهم.

كانت خطة المستعمرين تتمثل في معرفة المزيد عن طبيعة الأرض، وإذا لم يكن في الإمكان وقع السُّكْان المحليين لتوفير الغذاء والعمالة اللازمة، وقد يتمكن المستعمرون مِنَ المتاجرة معهم على الأقل، ويبدو أن الفكرة المُتعلقة بأن المستعمرين أنفسهم سوف يعملون ويزرعون غذاءهم الخاص، لم ترد إلى أذهانهم على الإطلاق؟ فهذا ما لم يفعله المستعمرون للعالم الجديد.

ولكن على خلاف الآزتيك والإنكا، كان سكان فرجينيا لا يملكون الذهب ولا يمكن ارغامهم على العمل ولم تنطلي على ملكهم خدع الانجليز ومع الحصار الذي فرضه “الهنود” على المؤن الغذائية، تعرض المستعمرون في جيمس تاون للهلاك مِنْ بين خمسمائة شخص دخلوا في فصل الشتاء ظل على قيد الحياة منهم ستين شخصاً فقط بحلول شهر مارس. كان الموقف بائساً ومزرياً للغاية هناك حَتّى أنهم لجئوا إلى أكل لحوم البشر.

كان الحل لملاك شركة فيرجينيا عبارة عن نظام عمل قائم على الصرامة القاسية والوحشية على المستعمرين الإنجليز

“لا يجوز لأي رجل أو امرأة أن يفر مِنَ المستعمرة قاصداً الهنود، وإلا سيعرض نفسه للموت.”

أيّ شخص يقوم بسرقة بستان، عاماً كان أم خاصاً أو مزارع العنب، أو يقوم بسرقة أكواز الذرة يُعاقب بالموت.”

“لا يجوز لأي فرد مِنْ مواطني المستعمرة أن يبيع أو يقدم أيّ سلعة تخص هذه المستعمرة لقبطان، أو ملاح أو ربان أو بحار بغرض نقلها خارج حدود المستعمرة، وذلك لأغراض الاستعمال الشخصي، وإلا سوف يعرض نفسه للموت.”

لقد كانت شركة فيرجينيا ترى أنَّه إذا لم يكن مِنَ الممكن استغلال السُّكْان الأصليين فربما يُمْكِن استغلال المستعمرين. كان النموذج الجديد للتنمية الاستعمارية بإسكان الرجال في ثكنات مخصصة لهم، مع تقديم حصص تموينية محددة، ثمَّ تمَّ اختيار مجموعات العمل، مع تعيين وكيل مِنْ قبل الشركة لكل مجموعة يتولى الإشراف عليها. كان الأمر شبيهاً بالقوانين العسكرية، مع تطبيق عقوبة الموت كعقوبة أساسية في حال المخالفة. وكانت المادة الأولى التي سبق ذكرها هامة وحاسمة، باعتبارها جُزء مِنْ نظام المؤسسات الجديدة الخاصة بالمستعمرة، هدّدت الشركة بتطبيق عقوبة الموت على مِنْ يفرون مِنَ المستعمرة. وفيما يتعلق بنظام العمل الجديد، كان الهرب للعيش مع السُّكْان المحليين قد أصبح أكثر جاذبية كاختيار، بالنسبة للمستعمرين الذين كان عليهم أن يقوموا بأداء الأعمال، كما كان مُتاحاً أيضاً نظراً الكثافة المنخفضة حَتّى للسكان الأصليين في فيرجينيا في ذلك الوقت، احتمال الهرب بشكل فردي والوصول للحدود التي تقع خارج نطاق سيطرة شركة فيرجينيا. كانت سلطة الشركة وقدرتها في مواجهة هذه الخيارات محدودة، فهي لم تتمكن مِنْ إجبار المستعمرين الإنجليز على القيام بالأعمال الشاقة في مقابل الحصول على القوت اليومي.

استغرق الأمر بعض الوقت مِنْ شركة فيرجينيا لكي تدرك أن نموذجها الاستعماري الأولي لم يفلح في فيرجينيا واستغرق الأمر أيضاً فترة مِنَ الوقت لكي تسقط “القوانين والنظم الدينية والأخلاقية والعسكرية” حَتّى تزول وتختفي. وقد تمَّ تبني إستراتيجية جديدة بشكل واضح بداية مِنْ عام 1618 حيث تَعَذّر إجبار سواء السُّكْان المحليين أو المستوطنين على العمل، وأصبح البديل الوحيد هو تقديم مُحفزات للمستعمرين. بدأت الشركة في عام 1618 في تبني “نظام منح الأراضي” والذي كان يُقر منح كُلّ مستوطن ذكر مساحة مِنَ الأرض قدرها خمسون فدان. بالإضافة إلى خمسين فداناً أُخْرَى لكل فرد في أسرته وكذلك الخدم الذين يُمْكِن أن تأتي بهم الأسرة إلى فيرجينيا. تمَّ منح المستوطنين المنازل التي كانوا يقيمون بها، وتحرروا مِنَ العقود الملزمة لهم، وفي عام 1619، تمَّ إنشاء جمعية عامة، والتي مكنت جميع الرجال البالغين مِنَ المشاركة بآرائهم بشكل فعال في القوانين والمؤسسات التي تحكم وتُدبّر شؤون المستعمرة، كان هذا هو بداية الديمقراطية في الولايات المتحدة.

لقد استغرق الأمر قرابة اثنا عشر عاماً مِنْ شركة فيرجينيا حَتّى تتعلم الدرس الأول بالنسبة لها، والذي يتمثل في أنّ الإستراتيجية التي ثَبُتَ نجاحها في حالة الأسبان في استعمارهم للمكسيك وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، لن تفلح في الشمال. لقد شهد بقية القرن السابع عشر سلسلة طويلة مِنَ الكفاح مِنْ أجل تعلم الدرس الثاني: أنّ الخيار الوحيد بالنسبة لأيّ مستعمرة قابلة للنمو والتطور الاقتصادي، يتمثل في أن تُقيم مؤسسات قادرة على تقديم مُحفزات للمستعمرين لكي يستثمروا ويتفانوا في العمل.

ومع تطور أمريكا الشمالية، حاولت النخبة الإنجليزية مراراً ومراراً أن تنشئ مؤسسات تستطيع أن تُقَيِّد بدرجة كبيرة الحقوق السياسية والاقتصادية، باستثناء منح الامتيازات لقلة مِنْ سكان المستعمرة، تماماً كما فعل الأسبان مِنْ قبل، غَيْر أنَّه في كُلّ حالة، كان هذا النموذج يفشل ويتوقف، كما حدث في فيرجينيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى